قد يستيقظ البعض كل صباح على مشهد البحر، يرونه يوميًا من نوافذ بيوتهم أو أثناء سيرهم في الطريق، حتى أصبح بالنسبة لهم مجرد خلفية صامتة لا تثير فيهم أي انفعال. وفي المقابل، هناك من يسافر مئات الكيلومترات ليقضي أمام البحر يومين فقط، يعيش كل لحظة بانبهار وكأنها حلم لا يتكرر. حين يطفئ الاعتياد دهشة النعمة
المشهد نفسه، لكن زاوية النظر مختلفة. والسبب بسيط: التعوّد يسرق الدهشة.
الاعتياد… عدو الامتنان
البحر مجرد مثال. فكم من نعم أخرى تتحول أمام أعيننا إلى تفاصيل عادية؟
وجود الأب أو الأم بجوارنا قد يُرى وكأنه أمر طبيعي، بينما هو في الحقيقة نعمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها.
الكهرباء والمياه الجارية التي نستعملها دون تفكير، لا ندرك عظمتها إلا حين تنقطع ساعة واحدة فقط.
والصحة، والحركة، والقدرة على النوم في سلام، كلها تبدو بديهية، لكنها أحلام بعيدة لكثيرين يعيشون مع المرض أو العجز.
الحمد… وعي قبل أن تكون كلمة
الشكر على النعمة ليس مجرد عادة لفظية، بل وعي يعيد إلينا قدرتنا على رؤية الجمال في حياتنا. الامتنان اليومي – حتى على أصغر التفاصيل – يحمي القلب من الجفاف النفسي، ويجعل الإنسان أكثر رضا وسلامًا مع نفسه. الصحة، الطعام، الأمان، العلاقات الإنسانية… كلها مصادر سعادة إذا لم يطفئها الاعتياد.
ربما لا نملك أن نغيّر ما اعتدنا عليه، لكننا نستطيع أن نغيّر طريقتنا في النظر إليه. أن نرى البحر بعين الزائر لا بعين المقيم، وأن نعامل وجود والدينا، صحتنا، أو حتى كوب الماء على مائدتنا كهدية متجددة، لا أمرًا مفروضًا.
فالدهشة لا تضيع لأن الأشياء لم تعد جميلة، بل لأننا توقفنا عن الانتباه لها.
الحمد لله على ما هو بين أيدينا، وعلى ما ننتظره، وفي كل وقت وحال.
