طفلك لا يتعلم التنمر في المدرسة… بل يُجرّبه هناك - - موقع اللى حصل

8 يوليو 2025

في كل عام، نقرأ تقارير عن ضحايا التنمر المدرسي. طفل أو مراهق يقع فريسة للتهديد، السخرية، العزل، أو الإيذاء النفسي والجسدي من زملائه. وتثور المشاعر، يُطالب البعض بالعقاب، ويُحمّل البعض الآخر الإدارة المدرسية المسؤولية.
لكن لحظة … هل نحن ننظر إلى التنمر باعتباره ظاهرة فردية؟ أم أنه نتيجة لنظام تربوي ومجتمعي كامل يُعيد إنتاج نفس السلوكيات بأشكال مختلفة؟

الحقيقة التي يصعب علينا الاعتراف بها أحيانًا هي أن التنمر ليس فقط سلوكًا سيئًا من طفل تجاه آخر. بل هو علامة، أو بالأحرى “عَرَض”، لخللٍ أعمق في طريقة فهمنا وتطبيقنا لأسس “العيش معًا”.

من المدرسة… إلى العالم

حين يُمارس طفل التنمر، لا يأتي هذا التصرف من فراغ.
بل هو غالبًا انعكاس لما يراه، يسمعه، أو يتلقاه في بيئته الأسرية أو المجتمعية:
• عندما يرى الكبير يُهين الصغير دون رادع.
• عندما يُضحك الجميع على حساب المختلف أو الضعيف.
• عندما تُقابل الشكوى بالتجاهل، أو يُكافأ العنف بالصمت.
كل هذه الرسائل الصامتة تُكوّن في ذهن الطفل تصورًا واضحًا: “القوة تسكت، والتفوق بالسيطرة، لا بالاحترام.”

من هنا، يصبح التنمر سلوكًا ممنهجًا، لا طارئًا. سلوكًا تغذّيه بيئة تطبع على التمييز، التسلّط، واللامبالاة.

التنمر… مرآة المجتمع

عندما نطالب بتقويم المتنمر أو معاقبته فقط، دون تفكيك السياق الذي سمح بسلوكه، فنحن نعالج السطح ونترك الجذر.
فالتنمر ليس فقط أزمة في المدرسة، بل هو مرآة تعكس كيف نرى الآخر في مجتمعنا:
– هل نحتوي الاختلاف أم نُقصيه؟
– هل نعزز قيم الاحترام أم نكرّس ثقافة الإقصاء؟
– هل نستمع للضعيف أم نحتفي بالأقوى صوتًا؟

بمعنى آخر، المدرسة لا تُنتج التنمر… بل تَكشِف عن وجوده. هي “المسرح” الذي يُعرض عليه ما كُتب في كواليس البيوت، الشاشات، والشوارع.

الحل لا يبدأ من العقاب

نحن بحاجة إلى التحول من منطق رد الفعل إلى منطق الوقاية والفهم.
الحل ليس فقط في كاميرات المراقبة أو فصل المتنمر عن زملائه، بل في بناء بيئة تربوية تدعم الحوار، تُدرّب على التعاطف، وتُعيد تعريف السلطة داخل المدرسة.

نحتاج أن نُعلّم أبناءنا أن القوة لا تُقاس بالهيمنة، بل بالقدرة على الإصغاء والاحتواء.
وأن الاختلاف ليس تهديدًا، بل فرصة لفهم الآخر والنمو معه.

رسالة للبالغين أولًا

لن ننجح في القضاء على التنمر إن لم نُراجع أنفسنا كراشدين.
كيف نتحدث عن الناس أمام أطفالنا؟
كيف نُعلّق على المختلف، الضعيف، أو من لا يُشبهنا؟
كيف نتعامل مع موظف في موقع سلطة، أو مع من يخطئ؟
لأن الطفل لا يسمع ما نقوله فقط، بل يراقب كيف نعيش ما نقوله.

في الختام:

لأن الطفل لا يتعلّم التنمر من المدرسة … بل يُجرّبه هناك فقط.

ذكاء الرازى وفطنة المتنبى

Comments are closed.

error: عفواُ .. غير مسموح بالنسخ