حكى أن رجلاً من بنى إسرائيل ولد له ابن. وكانت له عجلة فأرسلها في حقله. وقال: اللهم إني استودعك هذه العجلة لهذا الصبي. ومات الرجل.. فلما كبر الصبى وكان رحيماً وبار بأمة التي قالت له : إن أباك استودع الله عجلة لك. فاذهب فخذها. فذهب. فلما رأته البقرة جاءت إليه مستسلمة حتى أخذ بقرنيها. وكانت لها نفس الأوصاف التي يبحث عنها بنو إسرائيل. ولله في خلقه شئون.. حكاية صاحب البقرة
فجعل يقودها نحو أمة فلقيه بنو إسرائيل ووجدوا البقرة على الصفة التي أمروا بها فطلبوا منه أن يبيعها إياهم بسعرها في السوق. ولكنه طلب الكثير فرفضوا. فأتوا موسى عليه السلام وأخبروه الخبر.. فقال لهم: أرضوه في ملكه فاشتروها منه بوزنها عشر مرات وقيل: بملء وزنها دنانير – والله أعلم. ولقد كان رزقه هذا . عند الله كرامة له لبره بوالديه. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم أخيرًا أخذوها وذبحوها كما أمر الله تعالى.. وهنا تجلت لهم قدرة الله تعالى في إحياء الموتى.. فماذا حدث؟
القتيل يخبر بقاتله
بعد أن ذبحوها أمرهم الله أن يضربوا القتيل ببعضهما.. كما قال تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة: ۷۳). فلما فعلوا ذلك أحياه الله تعالى فرد إليه روحه. فقام فقال: قتلني ابن أخي. ثم عاد ميتا كما كان. واقتص من قاتله. وحرم من الميراث. ولكن هل عقل بني إسرائيل الدرس واستجابوا بعد ذلك لأمر الله تعالى.. تاريخهم مع نبيهم موسى عليه السلام. ومن بعده يخبرنا بأنهم ظلوا على تشددهم وغلوهم في أمر دينهم لغلظة قلوبهم وتحجرها وتكبرها. وصدق الله عندما قال عنهم: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وقفينا من بعده بالرُّسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أَفَكُلْمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بما لا تهوى أَنفُسُكُمُ استكبرتُم فَفَرِيقًا كَذَّتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ( وَقَالُوا قُلُوبَنَا عَلّفَ بَل لَّعَنهم الله بكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) (البقرة: ۸۸).
الدروس المستخلصة من هذه القصة
1 – أن اليهود قوم بهت وغلو في الدين ولا أمان لهم ولا يلتزمون بكلمة أو عهداً أبدا. وهم فضلاً عن كل ذلك طبعوا على حب الجدال وتكذيب أنبيائهم. وقصة البقرة خير دليل على ذلك. ومن بهتهم تكذيبهم لنبوة النبى عالم على الرغم من أنهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وكانوا ينتظرونه. وظنوا أنه سيكون من بينهم. فلما تبين لهم أنه من العرب تكبروا وأبوا أن يعترفوا إلا قليلاً ممن أسلم منهم وفضحوا ما في نفوسهم من حقد دفين لكل ما هو مسلم. وفى قصة إسلام الصحابي الجليل عبد الله بن سلام الذي كان من أحبار اليهود ممن يعتزون به خير دليل على ذلك. وأذكر هنا قصته كما جاءت في الحديث الصحيح الذي رواه البخارى لندرك المقصود من كلامنا هنا.
عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله . وهو في أرض يخترف فأتى النبي علم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي. فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: «أخبرني بهن جبريل آنفا ..
– وأول أشارت الساعة ناراً تحشر الناس من المشرق إلى المغرب.
– وأما أول طعام يأكله أهل الجنة؛ فزيادة كبد الحوت.
– وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد. وإذا سبق ماء المرأة نزعت».
قوم اسرائل وتكذيب انبيائهم
قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله يا رسول الله. إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامى من قبل أن تسألهم یبهتونی فجاءت اليهود فقال: أى رجل عبد الله فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا. وسيدنا وابن سيدنا. فقال لهم: ماذا لو علمتم إن عبد الله بن سلام قد أسلم؟ قالوا: أعاذه الله من فعل هذا. فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله. وأن محمداً رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا. فانتقصوه. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ٢ – أن المؤمن بالله حقا يجب أن يطيع الله ورسوله دون جدال لتحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله.
واليهود لم يطيعوا نبيهم كليم الله . موسى (عليه السلام) عندما أمرهم بوحي من الله تعالى بذبح بقرة واتهموه بالسخرية منهم لسوء أدبهم مع الله ورسوله وشددوا فشدد الله عليهم. فكان الخسران المبين في الدنيا والآخرة إلا من تاب واتقى. والمؤمن لا يتبع هواه فيضله عن سبيل الله. بل عليه السمع والطاعة وإخلاص النية لله تعالى. ولا يكون كاليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا). وإنما يكون كما قال تعالى في وصف المؤمنين: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سمعنا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: ٢٨٥). والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على النبي الأمين. وآله وصحبه أجمعين.