كان لرجلاً كافر. بستانين ولم يشكر الله الذي رزقه إياه. بل وسخر من كلام صاحبه المؤمن. عندما ذكره بالقيامة والحساب وأنكر البعث وظن أن بستانه هذا لن يبيد ولن يفنى ابداً. لما رأى ما فيه من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبه وأرجائه. وهذا لقلة عقله وضعف يقينه بالله وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها وكفره بالآخرة. وبلغ به غروره أنه زعم ان القيامة لو قامت ليجد خيرا من بستانه عند ربه. فكما أعطاه هذا في الدنيا فسوف يكرمه في الآخرة !! والآيات البينات فى سورة الكهف توضح مضمون ما ذكرنا هنا.. حكاية صاحب الجنتين
قال جل شأنه: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٍ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرا (34). وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أظن أن تبيد هذه أبدا (35). وما أظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رددتُ إِلَى ربي لأجدَنَّ خيرا منها منقلبا ) (الكهف: ٣٤: ٣٦). وأمام كل هذا الكفر والجحود بنعمة الله، قال له الرجل المؤمن… قوله تعالى: (قَالَ لَهُ صَاحِبَهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ من تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَاكَ رَجُلاً (37). لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا). (الكهف : ۳۷، ۳۸).
يذكره بأصله الذي خلقه الله منه وهو التراب… ثم بعد ذلك نطفة في رحم أمه، إلى أن يتم الخلق والتكوين.. ثـم يخرجه من بطن أمه طفلاً لا حول له ولا قوة إلا بالله العظيم… ثـم يشب حتى يصير رجلاً.. ثم كهلاً.. ثم إلى التراب يعود حتى يبعثه الله تعالى. وهو القائل في محكم آياته:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَاب ثُمَّ مِنُّ. ثم من نطفة ثمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ مُخلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخلَّقَة لبين لَكُم ونقر الأَرْحَامِ. مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلَا ثُمَّ لِتَبْلَغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ. لِكَيْلا يَعْلَم مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضِ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ. اهْتَزَّتَ وربت وأنبتت مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى. وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ). (الحج: ٥، ٧).
وظل الرجل المؤمن ينصح صديقه ويدله على الخير ويعلمه كيف يحافظ على نعمة الله تعالى. بإعطاه الفضل لله، وعلمه ذكر يقوله. إذا دخل جنته وأعجب بها، وهو أن يقول: “ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله … وهو ذكر يحفظ النعمة من عيون الحاسدين،. وحقد الشامتين، ولقد علمنا النبي ذلك. فقال: «ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد. فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرى فيه آفة دون الموت».. وعلينا بهذا الذكر
ليحفظ الله لنا ما نحب من كل سوء وضرر … ولكن الرجل الكافر لم يستمع لصاحبه، ولم يرتدع عن كفره.. فحذره الرجل المؤمن من غضب الله عليه القادر. على أن يغرق جنته تلك التي يفخر بها فتصير حطاما، ويكون هو عبرة لكل ظالم جاحد لنعمة الله عليه… ويبين ذلك كله قوله تعالى:
(وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ. قُلْتَ مَا ويبين شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منكَ مَالاً وَوَلَدًا فَعَسَى ربي أن يُؤتيني. خيراً من جنتك. ويُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسبَانًا مِّنَ السَّمَاء فتصبحَ صَعِيدًا زَلَقا. أو يصبح ماؤهَا غَورًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبَا (الكهف : ٣٩، ٤١). وحدث ما حذره منه الرجل المؤمن… وحدث لبستان الكافر أو جنته الذي يفخر بها ما جعله يندم، ويدرك أن الله يمهل ولا يهمل… فماذا حدث؟
الله يمهل ولا يهمل
قال تعالى: (وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشها ويقول. يا ليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42). وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43). هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ للَّه الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وخير عقباه (الكهف: ٤٢، ٤٤).
لقد غرقت جنته في غمضة عين، وصدم الكافر وهو يرى ثمارها وأشجارها. وكل ما فيها قد جعلها الله حطاما، وهو الذي أنفق عليها الكثير والكثير … وعلم أن ماله وولده ما كانوا ليمنعوا عنها انتقام الله تعالى.. وهنا فقط تاب وأناب، ولكن كان قد فات أوان الندم .. وما كان ليرد قضاء الله شيء أبدا… وتلك كانت حكمته سبحانه لكل ظالم متكبر جبار، وهذا درس لنا جميعا حتى نشكر الله على نعمه وفضله…
ولا نظن أن النعم التي نستمتع بها يرجع الفضل فيها للمال أو الولد أو الذكاء أو غير ذلك… والشكر يطلب منا أن نتواضع لغيرنا، ولا نتكبر عليهم بما أعطانا الله.. لأن كل نعيم الدنيا زائل وله نهاية، ونعيم الآخرة باقى لايفنى ولا يزول أبدا…