تربية بلا قيم .. من يحاسب ؟ - - موقع اللى حصل

17 مايو 2025

في واقعة صادمة أثارت الرأي العام مؤخراً. قررت الجهات المختصة إيداع أحد الأبناء في مؤسسة تربوية بعد تورطه في سلوك عنيف وغير مسؤول. ورغم أن التفاصيل القانونية محل متابعة. فإن القضية الأكبر تتجاوز الفعل ذاته. لتصل إلى عمق المسؤولية الأسرية ومعنى التربية الحقيقية. تربية بلا قيم

لم تعد الأزمة مجرد تصرف فردي خاطئ من مراهق، بل تحولت إلى ناقوس خطر. ينبهنا إلى خلل عميق في مفاهيم التربية داخل بعض البيوت. البعض يظن أن التربية تعني فقط الإنفاق، وتوفير التعليم الراقي، والسفر، والرفاهية، لكن ما فائدة كل هذا إن غاب عن الأبناء أساس القيم. والتمييز بين الخطأ والصواب. واحترام الآخر، وتحمل نتائج الأفعال؟

المال وحده لا يربي. بل أحيانًا يكون سببًا في الانحراف إذا لم يُصاحب بتوجيه. ورقابة، وغرس مبادئ حقيقية. حين يُترك الطفل ليكبر دون حدود واضحة. ودون قدوة حقيقية، ودون إشراكه في فهم مسؤولياته تجاه نفسه وتجاه المجتمع، تتحول الحرية إلى فوضى، ويتحول الدلال إلى ضعف أخلاقي.

ومن الملاحظ أيضاً أن كثيراً من الأهالي لا يعوّدون أبنائهم على تحمل نتائج أخطائهم، بل يندفعون للدفاع عنهم في كل موقف، حتى لو كان خطأً واضحًا، ويتجنبون أي عقاب قد يُفهم على أنه قسوة أو إهانة. في المدارس، كثيرًا ما نشاهد أولياء الأمور يرفضون عقاب أبنائهم، ويرون أن الدفاع المستمر عنهم هو الطريقة المثلى للحماية. لكن في الحقيقة، العقاب التربوي هو وسيلة ضرورية لتعليم الأطفال أن كل فعل له نتيجة، وأن الحياة ليست بدون قواعد أو حدود.

بهذا التهاون، نُرسخ في عقول الأطفال أن لا حدود لسلوكهم، وأنهم دائمًا على حق، وأنهم لن يُحاسبوا. نلغي بذلك مفهوم “الثواب والعقاب”، ونُخرج جيلاً لا يعرف معنى المسؤولية، ولا يملك أدوات التمييز الأخلاقي.

إننا، بمرور الوقت، تخلّينا عن قيم كثيرة كانت تشكل أساس مجتمعاتنا. بدأنا نتنازل شيئًا فشيئًا عن احترام الكبير، عن هيبة المعلم، عن قواعد السلوك اللائق. أصبح العنف أمرًا عاديًا، والسبّ أسلوبًا مقبولًا، وتغيّرت مفاهيم الحياء، حتى في طريقة اللبس وحلاقة الشعر، وكأننا فقدنا القدرة على وضع أي ضوابط أو حدود.

ما حدث لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة طبيعية لمسار طويل من التغاضي، والدفاع الأعمى، والإفراط في الدلال. ولا أحد معصوم من الخطأ، لكن ما يصنع الفارق هو كيف نواجهه. هل نُحاسب أبناءنا ونُعلّمهم أن كل فعل له تبعات؟ أم نغطي على أخطائهم باسم الحب ونتركهم يواجهون المجتمع لاحقًا دون أي وعي أو استعداد؟

ليست المشكلة في الطفل فقط، بل في البيئة التي أنشأته، وفي القدوة التي غابت، وفي تربية اختزلت في توفير كل شيء مادي، ونست أن التربية الحقيقية تُبنى على الحوار، والحدود، والمحاسبة، والقدوة.

في النهاية، لا نملك رفاهية غضّ الطرف بعد الآن. علينا أن نعيد بناء المفاهيم من جديد، أن نُعلّم أبناءنا أن الحرية لا تعني الفوضى، وأن الحب لا يعني التبرير، وأن القيم ليست اختيارًا، بل ضرورة. فالأبناء لا يحتاجون فقط إلى ما نمنحهم من مال، بل إلى ما نغرسه فيهم من وعي ومسؤولية.

عبد الله المعلم ودرويش الرويثة

Comments are closed.

error: عفواُ .. غير مسموح بالنسخ