كان هناك ملك ظالم مغرور بنفسه مسيطر على عقول شعب مملكته. وله هيبة في قلوبهم وأمره مطاع بينهم. وبلغ الغرور بهذا الملك الطاغية أنه ادعى الربوبية. وأوهم شعبه المغلوب على أمره أنه رازقهم وبيده أمرهم وحياتهم ومماتهم. وفي الحقيقة ما هو إلا إنسان متكبر بقوته وجاهه. ولو شاء الله تعالى لأماته من فوره وجعله عبرة لمن يعتبر. ولكن الله يمتحن عباده ويرسل رسله وأنبيائه ليقوم عليهم الحجة فلا يكون لمخلوق العذر لشركه وكفره به تعالى. وليحاسبهم سبحانه وتعالى يوم القيامة عما قدمت أيديهم من خير أو شر يوم القيامة.كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أنذرنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يوم يَنظُرُ الْمَرء ما قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرابا) (النبا : ٤٠). اصحاب الاخدود
وكان هذا الملك مدعى الربوبية يستعين في أمور المملكة بساحر ذو سحر عظيم ليرهب شعبه ويعينه في أمر المملكة. ولكن هذا الساحر كبر سنه مع مرور الزمن وقل جهده واقترب أجله لذلك فكر أن يعرض على الملك أن يأتي له بغلام ليعلمه السحر ليستعين به الملك عندما يشب ويكون خليفته من بعده. فقال للملك: إني قد كبرت سني. وحضر أجلى. فادفع إلى غلاما فلأعلمه السحر… وبالفعل أعطاه الملك غلام ليعلمه. وظل الحال هكذا زمنا .. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
بينما الغلام يخرج من بيت أهله ليذهب للقاء الساحر وجد في طريقه راهب عابد يعبد الله ويوحده ويدعوه الناس لعبادته. وقد استمع له الغلام وأعجبه حديثه وعرف فيه حقيقة نفسه وذاته وأكثر من الذهاب إليه. وظل يداوم على ذلك فترة وزاد جلوسه ليستمع للراهب. وبالتالي أصبح يتأخر كثيراً في ذهابه للساحر. وعصف الغضب بقلب الساحر فكان يضربه . ويسأله عن السبب فلا يوجد عنده جوابا ! ! وعندما يعود لأهله يضربوه أيضاً لنفس السبب.. وشكى الغلام أمر الساحر وأهله للراهب. وما يعانيه من ضرب وتأنيب في سبيل الحضور إليه…
فقال له الراهب إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلى. وإذا أراد أهلك أن يضربوك. فقل: حبسنى الساحر. وما قاله الغلام ليس كذباً صريحاً. وإنما من باب التعريض أو الإيحاء المباح الصادق فهو يذهب للساحر ويحبسه ويضربه.. نعم. ويذهب لأهله ويحبسوه ويضربوه.. نعم.. كل هذا صحيح. ولكنه حفظا لدينه ولنفسه من الافتتان كتم أمر الراهب الذي يمر علي وما يتعلمه منه من أفراد العبودية لله تعالى.
بينما الغلام ذات يوم يسير رأى دابة عظيمة فظيعة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يمروا خوفاً منها. فقال لنفسه : اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله. أم أمر الساحر .. ثم أخذ حجراً وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يجوز الناس ورماها بالحجر فقتلها ومضى الناس وهم يتعجبون من أمره. فأخبر الراهب بما حدث. وأدرك الراهب أن الله تعالى يحب هذا الغلام ويكرمه وهو سبحانه لا يكرم إلا من ارتضى وأحب. وما لبس أن اشتهر أمره بين الناس وفي أحاديثهم عنه.
وأدرك بحدسه أن هذا الملك لن يعجبه ذلك عندما يسمع . وخاف على نفسه وعلى الغلام.. فقال له: أي بني أنت أفضل منى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل على. ولكن الله تعالى كان يهيئ لهذا الغلام أمراً عظيما… ترى ما هو؟
أضغط لمتابعة الجزء الثانى