إن أسمى أنواع القوة هي التي تنبع من داخل الإنسان، “قوة الارادة” وليس من خارجه.. هناك أنواع من القوى، قد يكون لها اتجاه هدام، مثل القوة البدنية التي قد تدفع صاحبها ليكون “فتوة” يتجبر على الآخرين.. وهناك قوة السلطة والنفوذ التي قد تدفع صاحبها لأن يظلم الآخرين ممن لا يقوون على مواجهته أو التصدي له..
أما القوة الحقه فهي ليست كذلك، بل دائماً يكون لها اتجاه إيجابي، بناء وتعمل ما هو للخير، والفائدة.. هذه القوة هي قوة الإرادة، وتنبعث من داخل الإنسان.. وسوف نتأمل بعض أنماطها في النقاط التالية:
(1) التسامح مع المسيء:
إن التسامح مع من يسيء هو قوة ارادة ، فالشخص الذي يمكنه تحمل الإساءة بصدر رحب، هو شخص قوي بمعنى الكلمة.. إن الشر كالنار، ومطلوب أن تواجهه بقوة الخير حتى تطفئه قبل أن يزداد اشتعالاً. أما الخير فكالماء الذي ينسكب على نار الشر المشتعلة فيطفئها..
وحتى يحدث ذلك فأنت تحتاج أن يمتلئ قلبك بالمحبة التي تدفع إلى التسامح وعدم التفكير مطلقاً في الانتقام، بل على العكس يكون الاحسان للمسيء.. وهنا تكون القوة، قوة الخير التي تغلب الشر.
فهل تملك هذه القوة، قوة المحبة التي تسامح المسيء، وترد على شره بالخير؟ إذا كان الأمر كذلك فهنيئاً لك.
(2) احتمال الألم بصبر:
إن الألم له السيادة في عالمنا، والكل يعانون تحت ثقل ضيقات من أنواع مختلفة. ولكن مع تفاوت في درجة الألم أو الضيق – بالطبع – بين إنسان وآخر.. ولكن على أي حال الجميع يتألمون.
وإزاء الألم، هناك الضعيف الذي يسقط منهاراً تحت ثقله. ولكن الشخص قوي الإرادة، يكون صامداً في مواجهة أي تجربة تحل به، إن كبرت أو صغرت، ويكون صابراً بدون تذمر. ولسان حاله يردد ما قاله أحد المتألمين العابرين:
“سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وسأصبر حتى يأذن الله في أمري” أخي، هل تعاني آلاماً ومحناً وتقلبات الزمن؟ وهل تشعر أنك ضعيف في مواجهة هذه الآلام؟ عليك باللجوء إلى الله، وهو سوف يعطيك قوة تجعلك ثابتاً وصامداً كالصخر، فتتكسر على صخرة صمودك كل الأمواج العاتية، ثم إن الله لابد أن يمد يده في الوقت المعين عنده ليخرجك من الضيق إلى رحب لا حصر فيه.
(3) ضبط النفس:
إن النفس البشرية أشبه بالجواد الجامح، الذي إذا ترك له صاحبه العنان، يجمح به حيثما شاء. وتكون النتيجة كارثة محققة! ولذلك فالأمر يحتاج أن نتحكم في أنفسنا بقوة حتى لا تسير وراء رغباتها وأهوائها.
والذي يتحكم ويضبط نفسه بحزم، فذلك يتمثل في بعض الأمور مثل:
– عدم السماح لنفسه بالانسياق وراء الأهواء والشهوات الشريرة.
– أن يكون بطيئاً في غضبه، وإذا غضب لا يتهور، كما أنه يضبط لسانه، فلا ينطق بالكلمات القاسية التي تؤذي مشاعر الآخرين..
– لا تتحكم فيه العادات الضارة مثل المكيفات والمسكرات التي لا يستعبد لها إلا الضعفاء الذين لا يملكون الإرادة القوية للتغلب عليها..
(4) تحدي الصعاب:
إن الإنسان القوي الارادة لا تكتسحه سيول الصعاب مهما عظمت، لأنه يشعر بأنه أقوى منها.. وسأذكر بعض الأمثلة على قوة إرادة التحدي فيما يلي:
– صاحب المبادئ والمثل العليا، وهو يلاقي مقاومة من ذوي النيات الشريرة، ومع ذلك يرفض الاستكانة أو الاستسلام ويستمر في غايته النبيلة من أجل إحقاق الحق والخير والعدل..
– صاحب الأفكار المتطورة التي تهدف إلى جعل المجتمع يسير نحو الأفضل.. فهذا الشخص يلقي معارضة من أصحاب الجهل والتخلف، ومع ذلك لا يتراجع عن أهدافه، متحدياً كل صعوبة تعترض طريقه..
– كل مكافح وكادح في سبيل غاية نبيلة، أو من أجل حياة أفضل. وهو يجد الطريق أمامه وعراً، ولكنه يصمم على النجاح، فينجح فعلاً.
– كل صاحب إعاقة ولكنه يتحدى إعاقته، ويسير على درب النجاح بدون كلل.. ومن أمثال هؤلاء د. طه حسين الفتى الذي فقد بصره في عمر 6 سنوات. ولكنه كافح وواصل تعليمه ودراسته وتفوق حتى وصل إلى القمة كما نعلم وكان يحمل لقب عميد الأدب العربي.
حقاً ما أروع هذه القوة. إنها بنّاءة خيِّرة، ستنتصر في آخر الأمر! فهل أنت قوى الإراداة؟!